التحريفيون الجُدد - نادر المتروك

يريدون أن يكون الحسينُ شعاراً استهلاكيّاً؛ يحفظ إرثهم الوجاهي والارستقراطي ويُؤمِّنُ عُمراً من التسلّط على أفرادٍ ومجتمعاتٍ اعتادت - قهراً - على الخضوع لمقامات المال والبرمجة والتسلّط الدّماغي. يريدون أن تكون عاشوراء مجرّد تفريغ وقتيّ لتاريخ الوجع والآلام والندم الارتجاعي. يريدونها تاريخاً يُستحْضَر للبكاء وإثارة الدّموع وجلْد الذات وتعذيبها بلا فهم معاصر ولا رسالة حيّة.
>>>

يريدون أن يكون الحسينُ شعاراً استهلاكيّاً؛ يحفظ إرثهم الوجاهي والارستقراطي ويُؤمِّنُ عُمراً من التسلّط على أفرادٍ ومجتمعاتٍ اعتادت - قهراً - على الخضوع لمقامات المال والبرمجة والتسلّط الدّماغي. يريدون أن تكون عاشوراء مجرّد تفريغ وقتيّ لتاريخ الوجع والآلام والندم الارتجاعي. يريدونها تاريخاً يُستحْضَر للبكاء وإثارة الدّموع وجلْد الذات وتعذيبها بلا فهم معاصر ولا رسالة حيّة. يريدون الحسينَ معْبَراً طائفياً؛ يكرّسُ الانقسام الاجتماعي ويمرّر خرافات «النقاء» المذهبي وخلافات القرون المظلمة. يريدونه «شيعياً» أو «سنياً» لا إسلامياً. يريدونه «حزبياً» أو «قبليّاً» لا وطنياً. يريدونه «مهدّئاً» أو «مثوِّراً» لا مُصلحاً.

لا يريدون أن تتعدّى مراسيم الإحياء حدود الأشكال والصّروح الباهرة، وليس لديهم أيّ مانع في أن تُبنى المآتم الفخمة على أنقاض الفقراء والجوعى وبأموال «مجهولة المالك». ولا بأس، عندهم، في أنْ تُقام الدُّنيا ولا تقعد على إحياءٍ «شكلي» لا يُقدِّم خيراً، ولا يدفع شرّاً. ولكن حينما يتعلّق الأمر بالمبادئ والقيم والتطبيقات الخارجيّة، فإنهم يقفون صفاً واحداً معلنين الرّفض والتشكيك والتثبيط، ومستعيدين المشاهد التخوينية والتخذيليّة ذاتها التي واجهت الحسين وأهله وأنصاره. لا يُقلقهم ما ينتشر من ظواهر لا أخلاقيّة في الأزقة والطرق المحاذية لمواقع الإحياء، ولا تجدهم يدشّنون مشروعاً تربوياً لمحاصرة هذه الظواهر ومعالجتها، ولكنك تلقاهم - بتوجيهٍ وبلا توجيه - يصدّون أولئك الذين يريدون أن يكون الحسين معاصراً، وكربلاء حاضرةً، وعاشوراء واقعاً. لا بأس في أن تُصْرف الملايين في أيام معدودات على الأطعمة والتشريفات، وباسم الحسين وعاشوراء، ولكنّ لديهم أكثر من مانع لعدم صرف الآلاف في بناء المراكز العلمية والمعاهد الثقافية، ولو باسم الحسين وعاشوراء أيضاً. يطمئنون إلى دعوات الإحياء الجديدة فيما لو جاءت عبر ريشةٍ مهادنة، أو لوحة صامتة. وأكثر ما يشغلهم بالاضطراب؛ أولئك الذين لا يكتفون في إحيائهم بالمظاهر والخطابات واللّطم والدّموع الجارية والدّماء المسالة فقط، وإنما بالرؤية الإصلاحيّة، والفعل التغييري، والمشروع النهضوي الذي نَشَدَه الحسينُ في عاشوراء.

يُقلقهم الوعي بعاشوراء، ويُريحهم التطاحن على «حدوتة» جواز التطبير أم حرمته. يُزعجهم منهج «هيهات منّا الذلة»، ولكنهم مدمنون على «عيش الحسين». تراهم صفوفاً لا تعرف النهاية حالما يكون الموقفُ حشْداً شعاراتيّاً، وينقشع الجمعُ تباعاً وقتَ الموقف العملي. لا أبلغ منهم في تحليل الثورة الحسينية وتبليغ أهدافها، ولا أكسلَ منهم في تجسيدها وتطبيقها.لا أجْملَ من عباراتهم الأخّاذة وهم يحلّقون في كربلاء التاريخيّة، ولا أحْبط من عباراتهم وهم يُوصّفون كربلاءَهم المعاشة. مستعدون لإغراق المنامة وضواحيها بالسّواد والرّايات الحسينية، ولا «مزاج» لهم لقراءة السيرة الحسينية وحضور المجالس الهادفة. لا ينالهم التعبُ ولا يقدر عليهم النّصبُ في الانتقال من موكبٍ إلى آخر، واللّطم مساءً والتطبير صباحاً وضرب السّلاسل عصراً، ولكنهم مُجْهَدُون دائماً أوقات المحاضرات والندوات.هؤلاء، وأشباههم، هم التحريفيون الجُدد لعاشوراء الحسين.

0 تعليقات: