الشهيد الدكتور آية الله بهشتي

سيرة حياته بقلمه (رضوان الله عليه)




كان الشهيد الدكتور محمد بهشتي، رجلاً استثنائياً في نشاطه وتحركاته. واستطاع ان يلعب دوراً رائداً في توعيه ابناء الشعب الايراني وتفجير ثورته؛ ومن ثم ترسيخ اركان نظامه الاسلامي المبارك.. وكثيراً ما كان يوصف الدكتور بهشتي بأنه «أمه في رجل»؛ ومن يعرف عظمه الانجازات التي حققها هذا الرجل الفذ، لا يعجب لهذا الوصف.. في المقال الآتي يحدثنا الدكتور بنفسه عن محطات مسيره حياته الحافلة.
اسمي محمد حسيني بهشتي، واحياناً يكتب خطأ محمد حسين بهشتي، ولدت في الثاني من شهر آبان عام 1307 هـ. ش- 1928 م- في مدينه اصفهان في محلة تسمي لومبان، وهي من المحلات القديمة جداً في المدينة، في بيت روحاني، اذ ان ابي عالم دين.







بدأت تعليمي في سن الرابعه لدى الكتاتيب، وتعلمت القراءة والكتابة وقراءة القرآن بسرعة فائقة، حتى اصبحت اعرف بين افراد عائلتي بالفتى الفطن والذكي. ربما سرعة تقدمي في التعليم هو الذي اوجد في العائلة مثل هذا التصور.. بعدها قررت الدراسة في المدارس الحكومية، فدخلت مدرسة «ثروت» التي تبدل اسمها فيما بعد الى «15 بهمن». وكانوا قد وضعوا لي اختياراً قبل المواقفة على قبولي.. وعلى ضوء نتيجة الاختبار قالوا لي تستحق ان تذهب الى الفصل السادس، الا ان سنك لا يسمح بذلك، فوضعوني في الفصل الرابع.. اكملت دراستي الابتدائية في هذه المدارسة، وحصلت في الامتحانات النهائية العامة على المرتبة الثانية.. بعدها دخلت ثانوية «سعدي» لمواصلة دراستي المتوسطة والاعدادية وبينما كنت اواصل الدراسة في السنة الثالثة بدأت حوادث شهريور عام 1320- 1941 م.







و نتيجه لهذه الحوادث وجدت رغبة عامة لدى الفتيان واليافعين في دراسة المعارف الاسلامية.. ومازلت اتذكر حتى الآن، كان يجلس الى جواري في الفصل فتى حاد الذكاء، وكان ابناً لعالم دين ايضاً. فبينما كان المدارس يدرسنا في السنة الثانية، كان هذا الفتى يقرأ كتاب «معالم الاصول» وهو كتاب في اصول الفقه. وقد اوجد ذلك في نفسي شوقاً لأن اترك الدراسة في ثانوية «سعدي» واذهب لأكون احد طلبة العلوم الدينية. وهكذا تركت الثانوية عام 1942 والتحقت بدراسة العلوم الدينية في مدرسة الصدر باصفهان، لانني خلال هذه الفترة كنت قد قرأت شيئاً من العلوم الاسلامية.







وخلال الاعوام 42-1946، درست في اصفهان الآداب العربية والمنطق والكلام ومرحلة سطوح الفقه والاصول بسرعة ملفتة للنظر، اضحت سبباً في ان يحيطني اساتذة الحوزة العلمية بألطافهم واهتمامهم.. وفي عام 1945 كنت قد طلبت من والدي بأن يسمحا لي بالمبيت في غرفتي الخاصة في المدرسة الدينية، لا تفرغ للدراسة واصبح طالب علوم دينية بمعنى الكلمة.







امضيت عامي 1945 و1946 في المدرسة الدينية، وكنت انذاك أدرس اواخر مرحلة السطوح عندما قررت الانتقال الى قم لمواصلة الدراسة فيها. ومما اود ذكره هنا هو انني خلال دراستي في الثانوية كان درس اللغة الاجنبية هو الفرنسية، واثناء تلك السنتين قرأنا الفرنسية، الا ان ما كان شائعاً في اوساط المجتمع آنذاك تعلم اللغة الانكليزية. وفي السنة الاخيرة من وجودي في اصفهان قررت ان ادرس اللغة الانكليزية دورة كاملة.







انتقلت الى قم سنة 1946، واكملت فيها دراسة بقية السطوح والمكاسب والكفاية خلال ستة اشهر. ثم بدأت بدراسة «مرحلة الخارج» اوائل سنة 1947، فدرست خارج الفقه والاصول لدى استاذنا العزيز المرحوم آية الله محقق داماد. كذلك حضرت دروس استاذي المربي والقائد الكبير الامام الخميني. ثم بدأت احضر درس المرحوم آية الله السيد البروجردي، ودرس المرحوم آيه الله سيد محمد تقي خوانساري، ولفترة قليلة دروس المرحوم آية الله حجة كوه كمري. وكنت ادرس في اصفهان المنظومة في المنطق والكلام، الا انني لم استطع مواصلة ذلك في قم نظراً لقلة اساتذة الفلسفة آنذاك. فتفرغت غالباً لدراسة الفقه والاصول والقراءات المتنوعة، وكذلك مارست التدريس، فكنت ادرس وأدرس.







في سنة 1948 فكرت في مواصلة دراستي الجامعية الاكاديمية. فعدت واكملت دراسة الاعدادية في قسمها الادبي، والتحقت بكلية المعقول والمنقول التي تسمى اليوم بكليه الالهيات والمعارف الاسلامية. وفي سنة 1951، انتقلت للاقامة في طهران للتفرغ لدراستي الجامعية وكذلك لمتابعة دراستي لللغة الانكليزية على يد استاذ اجنبي متمكن من اللغة. وآنذاك كنت احصل على مصروفي من ممارسة التدريس. واستمر هذا الوضع حتى حصلت على البكالوريوس في عام 1952. وبعدها عدت الى قم لمواصلة دراسة العلوم الاسلامية وفي الوقت ذاته التدريس في ثانوياتها كمدرس للغة اليوم كافية للتدريس، وامضى بقية الوقت في الدراسة.







خلال الاعوام 1951 الى 1956 تفرغت لدراسة الفلسفة، وكنت اتردد الى دروس الاستاذ العلامة الطباطبائي الذي كان يدرس كتاب الاسفار لملاصدرا، وكتاب الشفاء لابن سينا. وفي هذا المجال كنا نقيم في ليالي الخميس والجمع مع عدد من الاخوة منهم المرحوم الشهيد مطهري، اجتماعات خاصة نتداول فيها البحوث والنقاش في الفلسفة، استمرت ما يقارب الخمس سنوات، وفيما بعد جمعت ورتبت بحوث هذه الجلسات وطبعت في كتاب «روش رئاليسم»- مذهب الواقعية-. وخلال هذه الفترة كنا لا ننقطع عن ممارسة نشاطات تبليغية واجتماعية، وكنا قد نظمنا مع المرحوم مطهري واخوة آخرين يقارب عددهم 17 شخصاً، برنامج عمل نذهب على ضوئه الى القرى النائية للتبليغ للاسلام.







تزامن وجودي في طهران عام 1951، مع تصاعد النضال السياسي والاجتماعي لحركة النفط الوطنية بقيادة المرحوم آية الله الكاشاني والمرحوم الدكتور مصدق، وآنذاك كنت شاباً معمماً اشارك بشوق ولهفه في التظاهرات والتجمعات والاضرابات. وصادف ان كنت في اصفهان اثناء حوادث (30 تير 1331) - 1952 م- وشاركت بفاعلية في اضرابات (26-30 تير)، وربما كنت اول او ثاني الخطباء في المضربين الذين تجمعوا في مبنى البريد. ومازلت اتذكر كيف عقدت في خطابي مقارنة بين موقف الشعب الايراني تجاه النهب البريطاني للنفط الايراني، وموقف الشعب المصري وعبدالناصر تجاه بريطانيا وفرنسا وتأميم قناة السويس. وقد صرخت محذراً قوام السلطنة- رئيس الوزراء آنذاك- والشاه بأن الشعب الايراني لا يسمح بأن يصادر المستعمرون ثروات بلاده.







بعد انقلاب 28 مرداد، وفي محاولة لتقويم الموقف وصلنا الى هذه القناعة وهي ان غياب الكوار الفاعلة كان محسوساً واننا نفتقر الى مثل هذه الكوادر. فكان قرارنا ايجاد حركة ثقافية نشطة نستطيع في ظلها ان نعد الكوادر المطلوبة؛ حركة اسلامية اصيلة تهييء‌ الارضية المناسبة لاعداد شباب متدين مثقف.. فقمنا بتأسيس ثانوية «الدين والمعرفة» بالتعاون مع الاصدقاء، وكانت مسؤولية ادارتها تقع على عاتقي مباشرة. كان ذلك عام 1954. وبقيت في مدينة قم حتى عام 1963. وخلال هذه الفترة تمكنا من ايجاد حركة ثقافية نشطة حديثة في المجتمع وفي الحوزة ايضاً. واستطعنا ان نوجد علاقات طيبة مع الشباب الجامعي، حيث تحقق لقاء وتعاضد بين طلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعة يبعث على الدهشة والاعجاب. اذ كنا نؤمن بضرورة ان تسير هاتان الشريحتان الواعيتان والملتزمتان جنباً الى جنب دائماً، وتتحركا انطلاقاً من قاعدة الاسلام الاصيل الخالص.







وخلال هذه الفترة بدأ في الحوزة النشاط التأليفي الموجه للجيل الجديد بلغة حديثة. فكان هناك «مدرسة الاسلام»، و«مدرسة التشيع»، وكانت بمثابة بداية حركة لنشر الفكر الاسلامي الاصيل والعميق بلغة عصرية حديثة. وكنا نساهم في الاجابة عن الاسئلة المطروحة بين اوساط الشباب.
بعد ذلك التحقت في الاعوام 1956 الي 1959، بكلية الألهيات لدراسة الدكتوراه في الفلسفة والمعقول. وفي عام 1959 بدأنا نقيم الاجتماعات الشهرية التي من برامجها حديث الشهر. وقد كرست الجهود لايصال نداء الاسلام الى الجيل الواعي بلغة جديدة واسلوب حديث. ففي كل شهر كانت تلقي محاضرة في الاجتماع الشهري وكان يحدد موضوعها من قبل بالاتفاق لكي يتمكن الحاضرون من التحضير لها. وكان الاخوة العلماء والمفكرون يتناوبون على ادائها، وكانت تسجل على اشرطة كاسيت ومن ثم تكتب وتطبع في كراسات وتوزع. ومن ثم تجمع في كتاب. وقد طبع منها ثلاثه كتب تحت عنوان «حديث الشهر»، وكتاب آخر بعنوان «حديث عاشوراء». ومن ضمن المحاضرين في هذه الاجتماعات كان المرحوم آية الله المطهري وآيه الله الطالقاني وعلماء آخرون. في الحقيقة كانت هذه النشاطات انطلاقه لنشاطات اخر تبلورت فيما بعد من قبيل ما كان يقام في «حسينية الارشاد» والتي وجدت لها شهرة واسعة جداً.







في عام 1960، وحيث كنا نفكر في اعادة تنظيم الدراسة في الحوزة العلمية في مدينة قم، كان المسلمون في المانيا خاصة بعد انشاء مسجد هامبورغ، الذي شيد بتوجيه من المؤسسة الدينية وبأمر من المرحوم آيه الله العظمى السيد البروجردي، وتأسيس المركز الثقافي هناك، كانوا يصرون على المرجعية الدينية بارسال احد علماء الدين لامامة مسجد هامبورغ، والاشراف على عمل المركز. وقد طلب الى كل من آية الله الميلاني وآية الله الخوانساري وآية الله الحائري ان اذهب الى هناك واصروا على ذلك. وقد تزامن ذلك مع قرار الجناح العسكري في «الجمعية المؤتلفة» باغتيال منصور- رئيس الوزراء آنذاك- الذي اغتيل بالفعل، وبدأت الحكومة التحقيق في ملف القضية وكان اسمي قد ورد في الملف. ففكر الاصدقاء ان يخرجوني من ايران بأية صورة، وان اواصل نشاطي في الخارج.







ذهبت الى هامبورغ، وكان قراري ان ابقى هناك بعض الوقت حتى ينتظم العمل. ثم اعود الى ايران. الا انني احسست هناك بأن الجامعيين كانوا بحاجة ماسة الى تشكيلات اسلامية تحتويهم وتبلور نشاطهم وتوجهه. فقمنا بتشكيل نواة الاتحادات الاسلامية لطلبة الجامعات –قسم اللغة الفارسية- وبعدها اصبح المركز الاسلامي كياناً كبيراً فاعلاً.

فيما يخص اعادة تنظيم مناهج الدراسة في الحوزة العلمية، كانت هناك نشاطات واجتماعات متعددة للتعريف بمدرسي الحوزة العلمية، ومناهجها، وقد اشتركت في جلستين منها، وقد استطعنا ان نخطط على المدى البعيد وان نعد مناهج دراسة العلوم الدينية في الحوزة تدرس على مدى سبعة عشر عاماً. وكان ذلك منطلقاً لتشكيل مدارس نموذجية، حيث قمنا بتأسيس المدرسة الحقانية او المدرسة المنتظرية تيمناً باسم المهدي المنتظر عليه السلام، حيث اخذت تدرس المناهج الجديدة، وكنت اخصص لها جزءاً من نشاطي ووقتي. وفي عام 1962 حيث انطلق التحرك الاسلامي بقيادة الامام الخميني والمشاركة الفاعلة لعلماء الدين، كنت حاضراً في صلب الاحداث، التي كانت انعطافة كبيرة في الوعي الثوري لابناء الشعب الايراني المسلم. وخلال هذه الفترة قمنا بتشكيل مركز الطلبة الذي تولى صديقي العزيز المرحوم الشهيد الدكتور مفتح، مسؤولية الاشراف المباشر على نشاطاته. كان المركز يقيم اجتماعات اسبوعية، وفي كل اجتماع كان يلقي احدنا كلمة فيه، فكان الحضور يبعث على الاعجاب. ففي مكان واحد كنت ترى طلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعة وطلبة المدارس والمثقفين والمتعلمين يجلسون الى جوار بعض. وكانت هذه الجهود نموذجاً للمساعي على طريق ايجاد الوحدة بين طلبة الجامعة وطلبة العلوم الدينية. وقد ضاق النظام ذرعاً بنشاط هذا المركز، فأخذ يمارس ضغوطاً ضدنا اضطرتنا الى ان نترك مدينة قم في شتاء عام 1963 والمجيء الى طهران.







واصلت في طهران نشاطي الفكري والسياسي، واستطعت ان أكون علاقات حميمة مع الكثير من فصائل النضال. فكانت علاقتي قوية باعضاء «الجمعية المؤتلفة»، وقد تم تعييني من قبل الامام الخميني باقتراح من الشورى المركزية، كواحد من اربعة اشخاص شكلوا المجلس الفقهي والسياسي لهذه الجمعية.







بقيت في هامبورغ اكثر من خمس سنوات، كانت لي خلالها نشاطات متعددة سواء في مجال التبليغ الاسلامي بين اوساط الاوروبيين، او في مجال النشاط الفكري والسياسي والتنظيمي للطاقات الاسلامية المتنامية.. وخلال الخمس سنوات هذه تشرفت بحج بيت الله الحرام، وسافرت الى سوريا ولبنان وذهبت الى تركيا للاطلاع على النشاطات الاسلامية هناك. وسافرت ايضاً الى العراق والتقيت الامام الخميني عام 1969. وفي عام 1970 وبعد ان انتظم العمل في هامبورغ جئت الى ايران لضرورة شخصية وكنت واثقاً من انهم سوف لا يسمحون لي بالعودة. وهذا ما حصل بالفعل، اذ منعوني من الخروج. فقررت اثر ذلك ان اعود ثانية الى نشاطاتي الثقافية السابقة، وفي مجال التأليف. فبدأنا نشاطات فكرية وبحوثاً علمية واسعة بالتعاون مع الشيخ مهدوي كني والسيد الموسوي الاردبيلي والمرحوم الدكتور مفتح وآخرين. بعدها قمنا بتشكيل نواة حركة علماء الدين المناضلين، التي تم الاعلان عن تشكيلها رسمياً في عام 77-1978، كما سعينا الى ايجاد تنظيم سياسي يعمل في الخفاء وآخر شبه معلن. وفي عام 1977 حيث وصل النضال الى أوجه، كرسنا كل الطاقات للعمل في هذا المجال. وبفضل الله ومنه والمشاركة الفعالة لجميع الاخوة من علماء‌ الدين في التظاهرات والنضال الثوري حققنا الانتصار الكبير.







وفاتني ان اذكر اننا منذ عام 1971 بدأنا نقيم دروس تفسير القرآن، حيث كنا نجتمع كل يوم سبت تحت شعار «مدرسة القرآن»، مع مجموعة من الشباب النشط الفعال من الاخوة والاخوات. وقد ازداد عدد المشاركين في هذه الدروس حتى بلغ في الايام الاخيرة ما بين 400 الى 500 شخص. وكانت حقاً دروساً مفيدة وبناءة. وعلى اثر الاصداء الطيبة التي حققتها هذه الدروس تنبه «السافاك» الى تأثيرها، فأقدم على اعتقالنا عام 1975.

واصلت نشاطي السياسي والاجتماعي بعد اطلاق سراحي، الى ان انتقل الامام الخميني الى باريس. عندها ذهبت للقاء الامام وبقيت في باريس عدة ايام. بعدها تم تشكيل نواة مجلس قيادة الثورة بتوجيهات من سماحة الامام الخميني واوامره. وكانت النواة الاولى تتألف من الشيخ مطهري والشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد الموسوي الاردبيلي والشيخ باهنر وأنا. وبعد ذلك التحق بمجلس قيادة الثورة الشيخ مهدوي كني ثم السيد الخامنئي والمرحوم آية الله السيد محمود الطالقاني، والمهندس مهدي بازركان والدكتور سحابي وآخرون. ثم عاد الامام الى ايران. واعتقد انه قد قيل وكتب الكثير عن الفترة التي اعقبت عودة الامام فلا حاجة لتكرار ذلك.







اما مجموعة الكتب التي ألفتها حتى الآن فهي عبارة عن:
1- الله في القرآن.
2- ما هي الصلاة؟
3- النظام المالي والقوانين المالية الاسلامية (مجموعة متسلسلة).
4- شريحة جديدة في مجتمعنا.
5- علماء الدين في الاسلام وبين اوساط المسلمين(مجموعه متسلسله).
6- المناضل المنتصر.
7- معرفة الدين.
8- دور الدين في حياة الانسان.
9- اي مسلك.
10- المعرفة.
11- الملكية.

من حياة الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر


نشأته


السيد محمد باقر بن حيدر بن إسماعيل الصدر، أحد علماء الإمامية، ولد في مدينة الكاظمية بالعراق سنة 1353هـ، نشأ في أحضان أسرة عرفت بعلمها وفقاهتها،وزعامتها الروحية، فقد أبوه في أيام طفولته، فعاش يتيماً، لكن الله عوضه عن عطف الأب وحنانه بعطف أم برة تقية هي ابنة الشيخ عبد الحسين آل ياسين.ابتدأ حياته الدراسية في منتدى النشر في الكاظمية، فظهرت عليه أمارات النبوغ والعبقرية، حيث اتجه نحو الدراسات الحوزوية، فدرس المقدمات والسطوح على أخيه السيد إسماعيل الصدر في الكاظمية، حتى أتمها ثم أخذ يدرس الكتب الدراسية وحده وبدون أستاذ فأكمل معظمها بهذه الطريقة، وقد اشترط على أستاذه في الفلسفة الشيخ صدر الباوكوبي أن يدرس عليه الأسفار بطريقة خاصة، بحيث يقرأ هو المطالب ويسأل أستاذه الإشكاليات التي يواجهها فقط، وقد أكمل الأسفار بهذه الطريقة في مدة ستة أشهر.هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1367هجرية، وهو لم يبلغ الرابعة عشر من عمره فحضر دروس البحث الخارج لجملة من أعلامها، منهم : خاله الشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد الخوئي (قدس سره) أصبح علماً من علماء الحوزة في وقت مبكر، حتى أن بعض علماء الحوزة الكبار وهو الشيخ "عباس الرميثي" الذي كان يطلب من السيد الشهيد أن يجلس إليه عندما كان يكتب حاشيته على بعض الرسائل العلمية، وضمن هذه الظروف بدأت التحديات تهز المجتمع والحوزة في آن وعلى المستويين السياسي والثقافي.أجيز بالاجتهاد في سن الثامنة عشرة، وبدأ يتألق في سماء العلم، حتى صار أحد الأعلام الكبار في الحوزة العلمية وذاع اسمه في الأوساط العلمية، فشرع في تدريس البحث الخارج في جمادى الثانية سنة 1389ه، فالتف حوله نخبة من الفضلاء وطلاب العلم.برز إسمه كمرجع إلى جانب المراجع الكبار، ورجع إليه الكثير من الناس في التقليد في الكثير من أنحاء العالم الإسلامي.


*******


مدرسته الفكرية


أسس من خلال أفكاره ونظرياته مدرسة إسلامية فكرية أصيلة، اتسمت بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها، والميادين التي بحثتها، وقد أغنى المكتبة الإسلامية بمؤلفات رائعة مثلت أفقاً واسعاً في المعرفة الإسلامية، واتسمت بالأسلوب الرصين والتجديد والأصالة، وجمع إلى جانب المكانة العلمية خصال الفضل ومكارم الأخلاق، فكان مثالاً رائعاً للورع والزهد والتواضع، لقد حاول السيد تنظيم علمي الأصول والفقه لجعلهما يتماشيان مع التطورات والمستجدات سواء داخل الحوزة العلمية التي بدأت تعاني من منافسة حادة من طرق التعليم الجامعي النظامي، أو من خارجها حيث كان المجتمع يتعرض لغزو فكري غربي وشرقي على حد سواء ما يشكل خطراً على عقيدة الإسلام وشريعته فكتب في علم الأصول كتباً مهمة، باعتبار أن الكتب المعتمدة في المدرسة قد أصبحت قديمة نسبياً، فالرسائل والكفاية، كما يقول السيد نتاج أصولي يعود لما قبل مئة سنة، وقد حصل علم الأصول بعدهما على خبرة مئة سنة بإضافة أفكار جديدة، كما أن الحاجة أصبحت ماسة لتطوير طريقة البحث وإعادة النظر في استحداث مصطلحات جديدة.ولذلك نجد أنه واكب في حركته الفقهية التطورات والمستجدات في حركة الحياة التي لم يتناولها التشريع بشكل تفصيلي، أو تلك التي كانت تتحرك في الواقع ولم يمكن إعطاؤها خطاً شرعياً محدداً، فأوجد نظرية تعالج هذه الأمور عرفت "بمنطقة الفراغ".كانت دراسته للفلسفة في وقت كانت فيه النظرة سلبية إليها، فكشف من خلالها عن تهافت المنظومات الأيديولوجية الفكرية والاقتصادية المغايرة للإسلام، في كتبه فلسفتنا واقتصادنا والأسس المنطقية للاستقراء.أعطى القرآن الكريم أولوية في أبحاثه وكتاباته، فدعا إلى اتباع منهج جديد في تفسير القرآن، فكان التفسير الموضوعي في محاولة منه لجعل المفاهيم القرآنية أكثر حركية ومرونة وحيوية، واعتمد مقولة السنن الطبيعية والإلهية في تفسير حركة التاريخ والإنسان، فجاءت كتاباته في هذا السياق ممنهجة ومؤصلة، وتنم عن رؤية ثاقبة، وقدرة فائقة على تناول الموضوعات، فضلاً عن اتسامها بالطابع الشمولي، ما جعل الشهيد الصدر كما يقول عبد الجبار الرفاعي "مؤسساً ومؤصلاً للخطاب الإسلامي الجديد، فهو لم يقتصر على النقد المنهجي للفكر الغربي وإسقاطاته في الفكر العربي الحديث إنما تجاوز ذلك إلى العمل على إعادة الثقة بالعناصر والمقومات الذاتية للأمة المسلمة، وبعث عناصر الحياة، واستدعاء روح الإبداع الكامنة في تراثها وماضيها".


*******


مواقفه الشجاعة


سجل الكثير من المواقف الشجاعة منذ سنوات شبابه الأولى في الوقوف والتصدي لكل الانحرافات الفكرية والعقائدية التي وفدت على الساحة الإسلامية، بما في ذلك الوقوف أمام السلطات الحاكمة في العراق آنذاك في محاولاتها الهادفة إلى إبعاد الناس عن الإسلام ومبادئه، فقام بتأسيس ودعم مجموعة من الهيئات والتجمعات التي أراد لها نشر المبادئ الصحيحة للإسلام، ولذلك كانت انطلاقة جماعة العلماء التي كانت بقيادة خاله الشيخ مرتضى آل ياسين التي بدأت بإصدار المنشورات التي تتحدث عن الإسلام وعن الواقع بأسلوب لم تعهده الحوزة من قبل فخط بذلك معالم خطاب سياسي وفكري يؤسس لمرحلة جديدة في الأسلوب والمضمون.تصاعدت مواجهته مع النظام الحاكم في سنة 1968، واتخذت أشكالاً جديدة وخطيرة، خصوصاً بعد مواقفه المؤيدة والمساندة للثورة الإسلامية في إيران، وفتواه الشهيرة بتحريم الانتماء إلى حزب البعث الحاكم في العراق، وإصداره بياناته التي تطالب الشعب بالثورة.لقد تجسد استقباله للثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس سره)، بمواقف دعا فيها إلى ضرورة الذوبان في الإمام كما ذاب هو في الإسلام، ولم يتوقف عند ذلك بل ساهم في رسم خطوط هذه الجمهورية ومعالمها، وذلك باعتماده على الفكرة القرآنية التي أعطت الإنسان دورين، دور الخلافة، ودور الشهادة، حيث لا بدّ برأيه من أن تشترك المرجعية والأمة في ممارسة هذا الدور، فيكون دور المرجع هو دور الشهادة، ودور الأمة هو دور الخلافة.


*******


‏ الصدر ووحدة الشعب العراقي


وبما أن العراق يعتبر مجتمعاً متنوعاً في مذاهبه وطوائفه، فقد راعى الشهيد الصدر في حركته السياسية المناهضة للنظام الحاكم الوحدة الإسلامية القائمة على التنوع، محافظاً في الوقت نفسه على الرمزية الخاصة التي تمسك بها مختلف الشرائع الاجتماعية من قيم مشتركة، فيخاطب المسلمين في العراق: يا أخي السني ويا أخي الشيعي فيربط الشيعي بالإمام علي عليه السلام كما يربط السني مثلاً بالخلفاء، معتبراً أن الصراع ليس موجهاً إلى السنة في الحكم، بل وجهه الحقيقي هو الاستبداد، ويلفت من ناحية أخرى إلى ضرورة تكتل كل الشرائح العراقية في سبيل قضاياها الكبرى في الوحدة، وهذا ما يدل عليه قوله: "إني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً وعن العقيدة التي تهمهم جميعا".ولكن كما يبدو أن الوحدة التي يدعو لها السيد الشهيد يجب أن ترتكز على الإسلام دون سواه "أنا معكما يا أخي السني والشيعي"، بقدر ما أنتما مع الإسلام، في إشارة واضحة إلى الوقوف بوجه كل التيارات المنحرفة والدفاع عن الإسلام وترسيخ عقيدته، محاولاً في الوقت نفسه، إفشال المخططات الرامية إلى بث بذور الفتنة وأحداث القلاقل من خلال النفاد إلى المجتمع واللعب على أوتار الطائفية لإحداث شرخ فيه لحرف العراقيين عن معركتهم الحقيقية ضد العدو المشترك، سواء في تمثّل ذلك الاستبداد الداخلي أو في تلك الموجات العقائدية والفكرية الوافدة من الخارج.استاءت السلطة من حركته، فأقدمت على اعتقاله أربع مرات، وفرضت عليه الإقامة الجبرية المشددة في بيته لمدة ثمانية أشهر، وفي المرة الأخيرة حيث كانت السلطة قد أرسلت إليه موفداً من قبلها يطلب منه أن يتراجع عن مواقفه المؤيدة للجمهورية الإسلامية، وسحب فتاويه في تحريم الانتماء إلى حزب البعث وغير ذلك من أمور، ولكن هذه الطلبات جوبهت بالرفض مع علمه المسبق بعاقبة الأمور.


*******


استشهاده


توجت حركته بالشهادة على أثر الاعتقال الرابع، وكان ذلك يوم السبت 19 جمادى الثانية 1400هـ، المصادف 5 نيسان 1980، واقتيد إلى بغداد، حيث نفذ به حكم الإعدام الجائر، بعد تعرضه لتعذيب وحشي، وذلك بعد ثلاثة أيام من اعتقاله، حيث جاءوا بجثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف ليلة الأربعاء23 جمادي الأول سنة 1400هـ، وأودعوه مثواه الأخير، سرا دون علم الجماهير بذلك.كان لنبأ إعدامه أصداء واسعة في العالم الإسلامي فصدرت الكثير من البيانات من الشخصيات تندد بهذه الجريمة البشعة والنكراء بحيث خسر علماً من أعلام الفكر في العصر الحديث.


*******


مؤلفات السيد الشهيد


للسيد الشهيد الكثير من المؤلفات القيمة منها: فلسفتنا، اقتصادنا، الأسس المنطقية للاستقراء، البنك اللاربوي في الإسلام، دروس في علم الأصول، غاية الفكر في علم الأصول، بحث حول المهدي(عج)، فدك في التاريخ، المرسل والرسول والرسالة، الإسلام يقود الحياة، المدرسة الإسلامية، المعالم الجديدة في الأصول، الفتاوى الواضحة، نظرة عامة في العبادات، بحوث في شرح العروة الوثقى وغيرها.
المصدر:
الموقع الإلكتروني لإذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران.

التحريفيون الجُدد - نادر المتروك

يريدون أن يكون الحسينُ شعاراً استهلاكيّاً؛ يحفظ إرثهم الوجاهي والارستقراطي ويُؤمِّنُ عُمراً من التسلّط على أفرادٍ ومجتمعاتٍ اعتادت - قهراً - على الخضوع لمقامات المال والبرمجة والتسلّط الدّماغي. يريدون أن تكون عاشوراء مجرّد تفريغ وقتيّ لتاريخ الوجع والآلام والندم الارتجاعي. يريدونها تاريخاً يُستحْضَر للبكاء وإثارة الدّموع وجلْد الذات وتعذيبها بلا فهم معاصر ولا رسالة حيّة.
>>>

يريدون أن يكون الحسينُ شعاراً استهلاكيّاً؛ يحفظ إرثهم الوجاهي والارستقراطي ويُؤمِّنُ عُمراً من التسلّط على أفرادٍ ومجتمعاتٍ اعتادت - قهراً - على الخضوع لمقامات المال والبرمجة والتسلّط الدّماغي. يريدون أن تكون عاشوراء مجرّد تفريغ وقتيّ لتاريخ الوجع والآلام والندم الارتجاعي. يريدونها تاريخاً يُستحْضَر للبكاء وإثارة الدّموع وجلْد الذات وتعذيبها بلا فهم معاصر ولا رسالة حيّة. يريدون الحسينَ معْبَراً طائفياً؛ يكرّسُ الانقسام الاجتماعي ويمرّر خرافات «النقاء» المذهبي وخلافات القرون المظلمة. يريدونه «شيعياً» أو «سنياً» لا إسلامياً. يريدونه «حزبياً» أو «قبليّاً» لا وطنياً. يريدونه «مهدّئاً» أو «مثوِّراً» لا مُصلحاً.

لا يريدون أن تتعدّى مراسيم الإحياء حدود الأشكال والصّروح الباهرة، وليس لديهم أيّ مانع في أن تُبنى المآتم الفخمة على أنقاض الفقراء والجوعى وبأموال «مجهولة المالك». ولا بأس، عندهم، في أنْ تُقام الدُّنيا ولا تقعد على إحياءٍ «شكلي» لا يُقدِّم خيراً، ولا يدفع شرّاً. ولكن حينما يتعلّق الأمر بالمبادئ والقيم والتطبيقات الخارجيّة، فإنهم يقفون صفاً واحداً معلنين الرّفض والتشكيك والتثبيط، ومستعيدين المشاهد التخوينية والتخذيليّة ذاتها التي واجهت الحسين وأهله وأنصاره. لا يُقلقهم ما ينتشر من ظواهر لا أخلاقيّة في الأزقة والطرق المحاذية لمواقع الإحياء، ولا تجدهم يدشّنون مشروعاً تربوياً لمحاصرة هذه الظواهر ومعالجتها، ولكنك تلقاهم - بتوجيهٍ وبلا توجيه - يصدّون أولئك الذين يريدون أن يكون الحسين معاصراً، وكربلاء حاضرةً، وعاشوراء واقعاً. لا بأس في أن تُصْرف الملايين في أيام معدودات على الأطعمة والتشريفات، وباسم الحسين وعاشوراء، ولكنّ لديهم أكثر من مانع لعدم صرف الآلاف في بناء المراكز العلمية والمعاهد الثقافية، ولو باسم الحسين وعاشوراء أيضاً. يطمئنون إلى دعوات الإحياء الجديدة فيما لو جاءت عبر ريشةٍ مهادنة، أو لوحة صامتة. وأكثر ما يشغلهم بالاضطراب؛ أولئك الذين لا يكتفون في إحيائهم بالمظاهر والخطابات واللّطم والدّموع الجارية والدّماء المسالة فقط، وإنما بالرؤية الإصلاحيّة، والفعل التغييري، والمشروع النهضوي الذي نَشَدَه الحسينُ في عاشوراء.

يُقلقهم الوعي بعاشوراء، ويُريحهم التطاحن على «حدوتة» جواز التطبير أم حرمته. يُزعجهم منهج «هيهات منّا الذلة»، ولكنهم مدمنون على «عيش الحسين». تراهم صفوفاً لا تعرف النهاية حالما يكون الموقفُ حشْداً شعاراتيّاً، وينقشع الجمعُ تباعاً وقتَ الموقف العملي. لا أبلغ منهم في تحليل الثورة الحسينية وتبليغ أهدافها، ولا أكسلَ منهم في تجسيدها وتطبيقها.لا أجْملَ من عباراتهم الأخّاذة وهم يحلّقون في كربلاء التاريخيّة، ولا أحْبط من عباراتهم وهم يُوصّفون كربلاءَهم المعاشة. مستعدون لإغراق المنامة وضواحيها بالسّواد والرّايات الحسينية، ولا «مزاج» لهم لقراءة السيرة الحسينية وحضور المجالس الهادفة. لا ينالهم التعبُ ولا يقدر عليهم النّصبُ في الانتقال من موكبٍ إلى آخر، واللّطم مساءً والتطبير صباحاً وضرب السّلاسل عصراً، ولكنهم مُجْهَدُون دائماً أوقات المحاضرات والندوات.هؤلاء، وأشباههم، هم التحريفيون الجُدد لعاشوراء الحسين.

تنويه

"في قسم المكتبة العامة من المدونة، سننقل ونقتبس لكم مقالات ونصوصاً من مصادر مختلفة، لعرضها على القراء والاستفادة من بعضها للتعليق عليها، أو اللجوء إليها كمرجع ومصدر. ولا تمثل الأفكار والأراء في المواد المنقولة بالضرورة توجهات محرري هذه المدونة" (انتهى)